فصل: الشاهد الخامس والأربعون بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.استيلاء الإفرنج على عسقلان.

كانت عسقلان في طاعة الظافر العلوي ومن جملة ممالكه وكان الإفرنج يتعاهدونها بالحصار مرة بعد مرة وكان الوزراء يمدونها بالأموال والرجال والأسلحة وكان لهم التحكم في الدولة على الخلفاء العلوية فلما قتل ابن السلار سنة ثمان وأربعين إضطرب الحال بمصر حتى ولي عباس الوزارة فسار الإفرنج خلال ذلك من بلادهم بالشام وحاصروا عسقلان وامتنعت عليهم ثم اختلف أهل البلد وآل أمرهم إلى القتال فاغتنم الإفرنج الفرصة وملكوا البلد وعاثوا فيها والله يؤيد بنصره من يشاء من عباده.

.ثورة المسلمين بسواحل أفريقية على الإفرنج المتغلبين فيها.

قد تقدم لنا وفاة رجار وملك ابنه غليالم وإنه ساء تدبير وزيره فاختلف عليه الناس وبلغ ذلك المسلمين الذين تغلبوا عليهم بأفريقية وكان رجار قد ولى على المسلمين بمدينة صفاقس لما تغلب عليها أبو الحسين الفرياني منهم وكان من أهل العلم والدين ثم عجز عن ذلك وطلب ولاية ابنه عمر فولاه رجار وحمل أبا الحسين إلى صقلية رهينة وأوصى ابنه عمرو قال يا بني أنا كبير السن وقد قرب أجلي فمتى أمكنتك الفرصة في إنقاذ المسلمين من ملكة العدو فأفعل ولا تخش علي وأحسبني قدمت فلما اختل أمر غليالم دعا عمر أهل صفاقس إلى الثورة بالإفرنج فثاروا بهم وقتلوهم سنة إحدى وخمسين وأتبعه أبو يحيى بن مطروح بطرابلس ومحمد بن رشيد بقابس وسار عسكر عبد المؤمن إلى بونة فملكها وذهب حكم الإفرنج عن أفريقية ما عدا المهدية وسوسة وأرسل عمر الفرياني إلى زويلة قريبا من المهدية يغريهم بالوثوب على الإفرنج الذين معهم فوثبوا وأعانهم أهل ضاحيتهم وقاتلوا الإفرنج بالمهدية وقطعوا الميرة عنهم وبلغ الخبر إلى غليالم فبعث إلى عمر الفرياني بصفاقس وأعذر إليه في أبيه فأظهر للرسول جنازة ودفنها وقال هذا دفنته فلما رجع الرسول بذلك صلب أبا الحسين ومات شهيدا رحمه الله تعالى وسار أهل صفاقس والعرب إلى زويلة واجتمعوا مع أهلها على حصار المهدية وأمدهم غليالم بالأقوات والأسلحة وصانعوا العرب بالمال على أن يخذلوا أصحابهم ثم خرجوا للقتال فانهزم العرب وركب أهل صفاقس البحر إلى بلدهم أيضا وأتبعهم الإفرنج فعاجلوهم عن زويلة وقتلوهم ثم اقتحموا البلد فقتلوا مخلفهم بها واستباحوهم.

.ارتجاع عبد المؤمن المهدية من يد الإفرنج.

ولما وقع بأهل زويلة من الإفرنج ما وقع لحقوا بعبد المؤمن ملك المغرب يستصرخونه فاجاب صريخهم ووعدهم وأقاموا في نزله وكرامته وتجهز للمسير وتقدم إلى ولاته وعماله بتحصيل الغلات وحفر الآبار ثم سار في صفر سنة أربع وخمسين في مائة ألف مقاتل وفي مقدمته الحسن بن علي صاحب المهدية ونازل تونس منتصف السنة وبها صاحبها أحمد بن خراسان من بقية دولة صنهاجة وجاء أسطول عبد المؤمن فحاصرها من البحر ثم نزل إليه من سورها عشرة رجال من أعيانها في السلالم مستأمنين لأهل البلد ولانفسهم فأمنهم على مقاسمتهم في أموالهم وعلى أن يخرج إليه ابن خراسان فتم ذلك كله وسار عنها إلى المهدية وأسطوله محاذية في البحر فوصلها منتصف رجب من السنة وبها أولاد الملوك والزعماء من الإفرنج وقد أخلوا زويلة وهي على غلوة من المهدية فعمرها عبد المؤمن لوقتها وامتلأ فضاء المهدية بالعساكر وحاصرها أياما وضاق موضع القتال من البر لاستدارة البحر عليها لأنها صورة يد في البحر وذراعها في البر وآحاط الأسطول بها في البحر وركب عبد المؤمن البحر في الشواني ومعه الحسن بن علي فرأى حصانتها في البحر وأخذ في المطاولة وجمع الأقوات حتى كانت في ساحة معسكره كالتلال وبعث إليه أهل صفاقس وطرابلس وجبال نفوسة بطاعتهم وبعث عسكر إلى قابس فملكها عنوة وبعث ابنه عبد الله ففتح كثيرا من البلاد ثم وفد عليه يحيى بن تميم بن المقر بن الرند صاحب قفصة في جماعة من أعيانها فبذل طاعته ووصله عبد المؤمن بألف دينار ولما كان آخر شعبان وصل أسطول صقلية في مائة وخمسين من الشواني غير الطرائد كان في جزيرة يابسة فاستباحها وبعث إليه صاحب صقلية بقصد المهدية فلما أشرفوا على المرسى قذفت إليهم أساطيل عبد المؤمن ووقف عسكره على جانب البر وعبد المؤمن ساجد يعفر وجهه بالتراب ويجأر بالدعاء فانهزم أسطول الإفرنج وأقلعوا إلى بلادهم وعاد أسطول المسلمين ظافرا وأيس أهل المهدية من الأنجاد ثم صابروا إلى آخر السنة حتى جهدهم الحصار ثم استأمنوا إلى عبد المؤمن فعرض عليهم الإسلام فأبوا ولم يزالوا يخضعون له بالقول حتى أمنهم وأعطاهم السفن فركبوا فيها وكان فصل شتاء فمال عليهم البحر وغرقوا ولم يفلت منهم إلا الأقل ودخل عبد المؤمن المهدية في محرم سنة خمس وخمسين لثنتي عشرة سنة من ملك الإفرنج وأقام بها عشرين يوما فأصلح أمورها وشحنها بالحامية والأقوات وإستعمل عليها بعض أصحابه وأنزل معه الحسن بن علي وأقطعه بأرضها له ولأولاده وأمر الوالي أن يقتدي برأيه ورجع إلى المغرب والله أعلم.